|
اللمبي |
خاص – مصراوي - الأفراح الشعبية لم تعد مجرد مظهر من مظاهر الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية المختلفة..من زواج وطهور وأعياد ميلاد..لكنها تحولت إلى حل اقتصادي شديد الفعالية للخروج من الأزمات المالية الخانقة ، أو بدء مشروع تجاري جديد بالاستفادة من الأموال التي يجمعها صاحب الفرح من حصيلة النقوط..
وقد عبرت بعض الأفلام المصرية عن هذه الظاهرة، وخصوصا فيلم " اللمبي " الذي وجد الخلاص من أزمته المالية التي تهدد زواجه من "حلا شيحة" في الكشكول الأصفر الذي يحتفظ به في مكان أمين و به أسماء من جاملهم في أفراحهم ودفع نقودا كثيرة لهم على سبيل النقوط.
وجاء الدور عليهم ليردوا له ما دفع في حفل زفافه،حتى يبدأ بحصيلته مشروعا تجاريا جديدا يعوضه عن الخسائر الكثيرة التي منى بها نتيجة فشل كل عمل تجاري يقوم به.
والحقيقة أن هذا يحدث في كثير من القرى المصرية وفي الأحياء الشعبية في القاهرة و الأسكندرية حيث يقيم التاجر فرحا ،مخترعا أي مناسبة،لدرجة أنه قد يقيم حفلا لعيد ميلاد ابنه أو ابنته أكثر من مرة في السنة ..المهم أن يجمع أصدقاءه التجار ويلم نقود النقطة، ثم يقضي أيامه بعد ذلك في السفر بين المحافظات لمجاملة أصدقائه الذين سبق أن جاملوه في فرحه، ويرد دين النقطة الموجود لهم لديه..وإذا لم يفعل ذلك سيفاجئ بالتأكيد بصاحب الفرح الذي دعاه لحضوره، وتخلف عن الحضور يأتيه حتى باب بيته ليطالبه بما عليه من "نقوط".!
وعلى مدخل بلدة كفر البطيخ في دلتا مصر تعلق لافتات عديدة على الجدران ووسط الشوارع تحمل دعوات عامة لحضور حفلات زواج في تناقض مع الصورة التقليدية عن سكان دمياط التي تنتمي إليها البلدة بأنهم مشهورون بالحرص إلى حد البخل أحياناً .
وقال أحد أبناء القرية إن هذه الإعلانات في الحقيقة دعوة لسداد ديون مستحقة لأصحاب الدعوة على أهالي البلدة وإتاحة الفرصة لوضع أرصدة جديدة في الحسابات الجارية المتداولة بينهم منذ سنوات .
واللافتات المكتوبة بخطوط جميلة ملونة تتضمن دعوة عامة لحفلات زفاف أو خطبة أو طهور لمولود وتختلف عن الملصقات الانتخابية في استمرارها طوال العام مع اشتداد كثافة الإعلانات قبيل عيدي الفطر والأضحى وخلال الصيف.
وأصل الحكاية أنه عند زواج أحد أبناء المدينة يقوم الأقارب والجيران والمعارف بدفع مبالغ لأسرة العريس أو العروس كنقوط ولانتشار هذه العادة فإن كل أسرة تكون دفعت مبالغ كبيرة متناثرة على مدى سنوات ومن هنا فأنها تعلق لافتات في الشوارع لإعلام سكان البلدة بزواج في الأسرة كي يحضروا ويسددوا النقوط السابق دفعها خلال السنوات الماضية .
وقال أحد تجار كفر البطيخ أن المسألة أخذت شكلاً منظماً إذ يجلس أكثر من شخص في مدخل سرادق الحفلة ومع أحدهم دفتر يسجل فيه الاسم والمبلغ الذي يدفعه كل من يدخل ليتم مضاهاة الأسماء والمبالغ بما سبق دفعه لأسر الأشخاص أنفسهم .ومن يدفع أكثر مما عليه يصبح له رصيد في مناسبة أخرى سعيدة .
أما المتخلفون ممن تلقوا المجاملة المالية سابقاً فعادة ما يذهب بعضهم صباح اليوم التالي إلى منزل أسرة العريس مقدما لما عليه من مبالغ أو أكثر معتذرا عن عدم حضوره مبررا السبب بالسفر أو غيره.
فإذا لم يذهب هؤلاء المتخلفون عن السداد إلى منزل أهل العريس أو العروس يذهب هؤلاء أهل العريس أو العروس إلى منازل المتخلفين عن السداد طالبين منهم بلا حرج دفع ما عليهم فإذا ماطلوا فان التشهير بهم يجرى على قدم وساق.
ومن أشكال التشهير تركيب ميكرفون على عربة يجرها حصان تمر في شوارع البلدة وتعلن أسماء المماطلين في التسديد أو الإعلان عنهم في الإذاعة المحلية .
وقال أحد الذين تزوجوا حديثا في المدينة " أن هذه الحفلات تأتى بحصيلة ضخمة يمكن أن تتخطى الخمسين ألف جنيه في حالة الأسرة الميسورة.
كما تتحول الحصيلة إلى ما يشبه قرضاً كبيراً يتم تسديده على أقساط خلال سنوات ومن دون فوائد وهى أقساط ليست فجائية السداد إذ يتم الإعلام قبل العرس ولأن الحصيلة مضمونة فإن العرف الجاري هو التعامل مع تجار البلدة بشراء لوازم الزواج مقدماً وتأجيل السداد إلى ما بعد حفل الزواج. وهكذا أصبح متاحاً الحصول على أجهزة كهربائية وأثاث ومفروشات وذهب وغير ذلك.
وتطور الأمر إلى اصطناع حفلات طهور لتجميع حصيلة أو الحصول على قرض كلما واجهت إحدى الأسر مشكلة مالية فإذا أراد شخص بناء منزل أو شقق جديدة أو شراء أرض أو شراء ورشة أو آلات فما عليه إلا أن يعلن عن حفل طهور لأبناء قد يكونون في علم الغيب. إلا أن التفهم العام للأمر من جانب سكان كفر البطيخ يجعلهم يذهبون إلى الحفلة لدفع ما عليهم أو المعاونة بدفع مبالغ من عندهم لأنهم يمكن أن يلجئوا إلى الوسيلة نفسها عند الحاجة .
ولدى سؤال أحدهم عن أرملة مسنة لم تنجب دفعت مبالغ على مدار السنوات لكثيرين فكيف تسترد أموالها قال : أن التقاليد تتيح لها الحصول على أموالها وأكثر .وأضاف " الحفلات لا تقتصر على الزواج والخطبة والطهور بل تمتد إلى مناسبات اجتماعية كالعودة من فريضة الحج أو الشفاء من المرض وغير ذلك مما يدفع هذه السيدة إلى المشاركة في نظام النقوط ضامنة استرداد أموالها " .